
الجبل الأخضر يفقد لونه الأخضر.. والوقت ينفد!
في قلب ليبيا، يقع كنز طبيعي فريد يُعرف باسم “الجبل الأخضر” – منطقة تتميز بتنوعها البيولوجي وجمالها الطبيعي الخلاب. لكن هذا الكنز في خطر حقيقي، والأرقام مرعبة حيث فقدت المنطقة 45% من غاباتها خلال 30 سنة فقط ما بين عامي 1994 و2023، بمعدل مذهل يصل إلى 5.7% سنوياً.
إذا استمر هذا المعدل المدمر، فلن يبقى شيء أخضر للأجيال القادمة. من هنا وُلدت مبادرة “هَلّها” – ليست مجرد فكرة جميلة، بل ضرورة عاجلة لإنقاذ ما تبقى من هذا الإرث الطبيعي النفيس.
ما هي مبادرة “هَلّها”؟
مبادرة “هَلّها” هي مبادرة ليبية مجتمعية طموحة تهدف إلى خلق تأثير إيجابي ومستدام في المجتمع من خلال التوعية البيئية والحفاظ على البيئة الطبيعية. تركز المبادرة بشكل خاص على منطقة الجبل الأخضر ووادي الكوف كنموذج للحفاظ على البيئة وتطوير السياحة البيئية المستدامة.
تتلخص رؤية المبادرة في بناء مجتمع واعٍ بيئياً يساهم في تعزيز السياحة البيئية المسؤولة في ليبيا. بينما تتمثل رسالتها في تحفيز المجتمع على المشاركة الفّعالة في حماية البيئة من خلال أنشطة توعوية وتطبيقية

لماذا نحتاج هذه المبادرة الآن؟
قام الباحثون بدراسة علمية شاملة للجبل الأخضر امتدت لثلاثة عقود كاملة من عام 1994 وحتى 2023، وكانت النتائج صادمة للغاية. لقد اختفت نصف الغابات الكثيفة تماماً، وفُقد 45% من الغطاء النباتي بمعدل فقدان سنوي يصل إلى 5.7%، وتحولت هذه المناطق الخضراء إلى مدن ومباني وأراضي جرداء.
هذه الأرقام المفزعة تعني أن الجبل الأخضر يفقد هويته البيئية بسرعة مرعبة. إذا لم نتحرك الآن، فسنشهد انقراض أنواع نباتية وحيوانية فريدة، وتدهور النظام البيئي المحلي، وفقدان فرص السياحة البيئية، إضافة إلى التأثير السلبي على التغير المناخي المحلي.
الجمعيات والمؤسسات المشاركة
تُنفذ مبادرة “هَلّها” من خلال تكتل الجمعيات البيئية الجبل الأخضر، والذي يضم عدة مؤسسات وجمعيات متخصصة في مجال البيئة والتنمية المستدامة. يشارك في هذا التكتل جمعية علم الأخياء البحرية في ليبيا و منظمة نماء للتنمية و الثقافة و منظمة شتلة خضراء و جمعية الصنوبر شخات و مؤسسة رؤية لعلوم الفضاء و تطبيقاته و سفاري برقة
هذا التكتل الاستراتيجي يجمع بين الخبرات العلمية والعمل المجتمعي لضمان فعالية أكبر في تحقيق أهداف المبادرة. كما يوفر قاعدة واسعة من الموارد والخبرات التي تساعد على تنفيذ برامج شاملة ومتنوعة.
أنشطة ومجالات عمل المبادرة
تتنوع أنشطة المبادرة لتشمل ثلاثة محاور رئيسية. المحور الأول يركز على الأنشطة التوعوية مثل ورش العمل البيئية للمجتمع المحلي، وحملات التوعية في المدارس والجامعات، وبرامج تدريبية حول السياحة البيئية المسؤولة.
أما المحور الثاني فيشمل الأنشطة التطبيقية والعملية مثل زراعة الأشجار المحلية، وبرامج مراقبة التنوع البيولوجي، ومشاريع ترميم النظم البيئية المتدهورة، وتطوير مسارات السياحة البيئية.
في حين يركز المحور الثالث على البحث والتوثيق من خلال إجراء دراسات علمية حول التنوع البيولوجي، وتوثيق التراث البيئي المحلي، ورصد التغيرات البيئية بشكل منتظم ومنهجي.
كيف يمكن المشاركة في المبادرة؟
يمكن للأفراد المشاركة في المبادرة بطرق متعددة، منها المشاركة في فعاليات زراعة الأشجار، ونشر الوعي البيئي في دوائرهم الاجتماعية، واتباع ممارسات السياحة البيئية المسؤولة، والتطوع في أنشطة المبادرة المختلفة.
كما تفتح المبادرة أبوابها للمؤسسات للمشاركة من خلال الشراكة في تمويل مشاريع بيئية، وتنظيم فعاليات توعوية، ودعم البحوث العلمية البيئية، وتطوير برامج المسؤولية الاجتماعية البيئية.
الأثر المتوقع للمبادرة
على المدى القصير، تهدف المبادرة إلى زيادة الوعي البيئي في المجتمع، ووقف أو تقليل معدل فقدان الغطاء النباتي، وتطوير نماذج أولية للسياحة البيئية المستدامة.
أما على المدى الطويل، فتسعى المبادرة إلى استعادة جزء من الغطاء النباتي المفقود، وتطوير اقتصاد مستدام قائم على السياحة البيئية، وخلق نموذج قابل للتكرار في مناطق أخرى من ليبيا، بالإضافة إلى حماية التنوع البيولوجي للأجيال القادمة.
خاتمة: الوقت ينفد والأمل باقٍ
مبادرة “هَلّها” ليست مجرد مشروع بيئي عادي، بل هي نداء إنقاذ عاجل لكنز طبيعي فريد يواجه خطر الاندثار الحقيقي. كل يوم نؤجل فيه العمل والمبادرة، نفقد المزيد من هذا الإرث الطبيعي الثمين.
لكن الأمل ما زال موجوداً وقائماً. بالعمل المشترك والوعي الجماعي والتضافر من جميع أطياف المجتمع، يمكننا إنقاذ ما تبقى من الجبل الأخضر وإعادة إحيائه ليبقى إرثاً أخضر للأجيال القادمة.
انضموا إلينا اليوم في هذه المهمة النبيلة، لأن البيئة لا تنتظر وكل لحظة تأخير تكلفنا المزيد من هذا الكنز الطبيعي الذي لا يُعوض.
اترك تعليقاً